برك الريّ في الجنوب بين البناء والترميم
تكاد لا تخلو القرى والبلدات الجنوبية من برك تجميع المياه، التي حفرها الأهالي بسواعدهم، منذ عشرات أو مئات السنين، بهدف تجميع مياه الأمطار شتاء، للاستفادة منها في الصيف، لريّ الأراضي الزراعية، التي كانت مصدر الرزق الأساسي لجميع الأهالي.
بعد النزوح والهجرة، بسبب الاحتلال، تغيّر واقع الأهالي الذين أهملوا بمعظمهم الأراضي الزراعية، لتهمل معها البرك القديمة، حتى أنّ الأبنية السكنية انتشرت حولها، ما ساهم لاحقًا في ردم عدد منها. أمّا القرى التي بقيت تعتمد على الزراعة فقد حافظت على هذه البرك، التي تساهم حتى الأن في تأمين المياه للمزارعين.
وفي السنوات الأخيرة الماضية، استدركت بعض البلديات أهمية البرك في عملية التنمية وتشجيع الأهالي على الزراعة، بعد أن فشلت الدولة ومؤسساتها في نقل وتأمين مياه اللّيطاني إلى معظم الأهالي، فلجأت بلدية عيترون (بنت جبيل) إلى بناء بركة زراعية جديدة، بعد أن ردمت البركة القديمة، عقب التحرير، التي كانت في وسط البلدة، وأيضًا لجأت بلدية مجدل سلم (مرجعيون) إلى بناء بركة زراعية كبيرة، بعد أن ردمت البركة القديمة، التي بني مكانها مركز البلدية الجديد.
كما عمدت بعض البلديات إلى ترميم وتجميل وتوسعة البرك القديمة، كما فعلت بلدية بنت جبيل. ونظرًا لزيادة عدد المزارعين في المنطقة، لجأت جمعية شيلد، بدعم من برنامج الأغذية العالمي وبتمويل الوزارة الاتحادية الألمانية، إلى إنشاء وتأهيل عدّة برك زراعية في جنوب لبنان، من بينها “بركة صغيرة في بلدة الهبارية لتأمين الريّ لحرج صنوبر، وبركة في بلدة عيترون تمّ ترميمها وإنشاء مسار للمياه إليها، لريّ مئات الدونمات من الأراضي الزراعية، إضافة إلى تأهيل بركة في بلدة الطيري، وإنشاء برك في بلدات بليدا، حداثا، عيتا الشعب وعدشيت القصير” كما يشير المنسّق العام للجمعية غسان أبو حيدر، والذي بيّن أن “الجمعية لجأت إلى تنفيذ مشاريع متعدّدة لدعم المزارعين من بينها زراعة أكثر من 100 ألف شجرة في محمية وادي الحجير وإنشاء خيم زراعية لزراعة الشتول، وأعمال تنظيف وتشحيل”.
ويذهب المزارع أحمد حسن (بليدا) إلى أنّ “البركة الزراعية التي أنشأتها جمعية شيلد، ساهمت في زيادة عدد المزارعين، وتحسين نوعية الزراعة في البلدة”، لافتًا إلى أن ” المنطقة تحتاج إلى برك زراعية أخرى، اضافة إلى تأمين وصول مياه الليطاني إلى المنطقة، بعيدًا عن المحسوبيات والفاسدين”. ويشير المزارع حسن عطوي، من بلدة مركبا ( بنت جبيل)، الذي يعتمد في زراعته على مياه بركة البلدة الكبيرة، أن ” بركة كونين هي من أقدم برك جبل عامل، التي حفرت منذ مئات السنين، وتتّسع لأربعة وعشرين ألف متر مكعب من المياه، وكان يعتمد عليها مزارعوا المنطقة، نظرًا لوجودها في منخفض بين بلدات بنت جبيل وعيناتا والطيري وبيت ياحون”.
ويؤكد على “ضرورة تأمين مياه الريّ إلى الأهالي، عبر نقل مياه اللّيطاني إلى البرك الموجودة بعد جفافها، وإنشاء برك جديدة”. ويعتبر المؤرّخ مصطفى بزي أنّ “هذه البرك، تساهم مساهمة فعالة في تحسين الزراعة في المنطقة، وخاصة بعد التوسع الذي شهدته زراعة التبغ، التي تحتاج إلى المياه الكثيرة، أثناء زراعة الشتول”.
وتبلغ المساحة التي تغطيها برك المنطقة 96 كلم، غير أنّ ما تستوعبه من مياه لا يكفي لريّ كل الأراضي، وتشير دراسة استكشافية وضعتها دار الهندسة للتصميم والاستشارات الفنية، أنّه “نظريًا يمكن لهذه البرك ريّ 7 آلاف دونم، لكن واقعيًا، ونظرًا إلى تفاوت معدل هطول الأمطار، لا يمكن ريّ أكثر من 5400 دونم”. وعلى الرغم من نهوض المنطقة العمراني، لا زالت هذه البرك من المعالم الأساسية للقرى والبلدات، ففي بلدة شقرا أصبحت بركتها محاطة بالمحال التجارية الكبيرة، وهي مكان تجمّع شبان البلدة الرئيسي، حيث جلسات الأركيلة وشرب القهوة.
وفي بلدة رميش، لا تزال بركتي البلدة العمدة الأساسية للأهالي الذين يعتمد معظمهم على زراعة التبغ، فيقول المزارع طوني الحاج (45 عامًا) “بركتا البلدة هما سرّ صمود المزارعين هنا، فأبناء البلدة المقيمين يعتمدون على مياهها في معيشتهم لريّ أراضيهم الزراعية، فالبركتين قديمتين جدًا ولا نعرف تاريخ بنائهما، وهما محاطتين بالحجر الصخري وأرضهما ترابية”.
داني الأمين